الصوم عبادة من العبادات التى فرضها الله على عباده و لكنها كانت العبادة المفضلة و المحببة إلى الله .. لذلك كان قوله سبحانه و تعالى فى حديثه القدسى " كل عمل بن آدم له إلا الصوم فهو لى و أنا أجزى به" ، و كان قول الرسول الكريم "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" و كان لشهر رمضان الكريم منزلة خاصة بين الشهور عند الله سبحانه و تعالى بنزول الوحى بالقرآن على نبى الله محمد صلى الله عليه و سلم فيقول الله تعالى فى كتابه الكريم " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه" و لأن الله فضل هذا الشهر الكريم و فرض فيه عبادة الصوم على أمة محمد صلى الله عليه و سلم فلقد حبب خلقه فيه فترى المسلمين فى هذا الشهر جميعهم على قلب رجل واحد و حتى أولئك الذين يقصرون فى بعض العبادات تجدهم فى هذا الشهر الكريم حريصون على فريضة الصوم
و على التقرب إلى الله سبحانه و تعالى .. و فى شهر رمضان يعمر المسلمون المساجد حريصين على أداء الصلوات الخمس بها و يجتمعون معا بعد صلاة العشاء لأداء صلاة التراويح ثم تكون فى العشر الأواخر من الشهر صلاة التهجد فيتم المسلمون قراءة القرآن الكريم .. ان الله سبحانه و تعالى لم يفرض أمرا على عباده إلا بحكمة فكانت حكمة فرض الصوم أن يدرب الله عباده على طاعته و الإمتثال لأوامره فهم طوال العام يأكلون و يشربون طوال اليوم حتى إذا جاء شهر رمضان إمتنع الناس عن الطعام و الشراب حتى أذان المغرب فيتناولون طعام الإفطار و يحل لهم الإفطار حتى أذان الفجر فيمسكون عن الطعام و الشراب مرة أخرى و لا يصوم المرء عن الطعام و الشراب بل تصوم كل جوارحه عن كل ما يغضب الله و يتسبب فى إيذاء الناس لذلك كان هذا الشهر الكريم هو الذى تصفد فيه الشياطين و للصوم حكمة أخرى هو أن يشعر الأغنياء باخوانهم من الفقراء الذين لا يجدون الطعام ليسد رمقهم فيكون التكافل الإجتماعى و تكثر الصدقات لذلك ترى الناس و هم يتسابقون فى فعل الخير فى ذلك الشهر الكريم و تمتد موائد الرحمن لإفطار الفقراء المسلمين على إمتداد أرض الوطن و ترى الناس و قد رقت قلوبهم و أصبحوا أكثر مودة و رحمة.
و الصوم صحة للبدن و تهذيب للنفس و إخماد للشهوات فيقول الرسول الكريم " صوموا تصحوا" كما يقول فى حديثه الصحيح "يا معشر الشباب من إستطاع منكم الباءة فليتزوج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه وجاء".
و ترى تلاحم الأمة فى شهر رمضان .. حين يقدم الإخوة المسيحيون على إقامة مآدب الإفطار لإخوانهم من المسلمين فيسود بينهم الود و المحبة.
و كما إختص الله الشهر الكريم بنزول القرآن الكريم فقد إختصه بليلة أخرى مباركة ألا و هى ليله القدر تلك الليلة التى يستجيب فيها الله لدعاء عباده و يتوب عليهم و يفيض عليهم برحمته فيقول سبحانه و تعالى "إنا أنزلناه فى ليله القدر و ما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر"فقد جعل الله هذه الليلة المباركة من شهر رمضان تعادل ألف شهر و لم يحدد الله و رسوله الكريم زمنا محددا لتلك الليلة المباركة فقيل إنها فى العشر الأواخر من رمضان حتى يكون الناس أكثر حرصا على التعبد و التقرب إلى الله فى كل الأيام فيحل عليهم الخير و الرحمة فيكون العتق من النار فى آخر الشهر الكريم.
و لهذه الأسباب يحرص الكثير من عباد الله على الذهاب فى العشر الأواخر من رمضان إلى الأراضى المقدسة لأداء العمرة حتى يكون الثواب و المغفرة و العتق من النار و الله سبحانه و تعالى قد جعل كل هذا الخير فى الشهر الكريم فلقد كان حقا لأمته أن تكون الجائزة فى نهاية الشهر فكانت نهاية الشهر الكريم عيدا للمسلمين و كانت للصائم فرحتان فرحة عند لقاء ربه و فرحة يوم فطره ليس لإنتهاء الشهر الكريم بل الكثيرون منا يتمنون أن يكون طوال العام شهر رمضان لما به من خير و بركة و لكن الفرحة تكون لنجاح المسلم فى الإمتثال لأوامر الله و طاعته و حسن أداء الفريضة المحببة إلى قلوب الجميع و لقد فرض الله فى نهاية الشهر فريضة أخرى لا يتم صوم المؤمن إلا بها ألا و هى زكاة الفطر تفرض على المسلمين الأغنياء تجاه اخوانهم الفقراء .. فهل أكثر من ذلك مجتمع يسود فيه التكافل و التضامن و المحبة .. و ذلك يحقق قصد حديث الرسول الكريم حين قال " لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لن تؤمنوا حتى تحابوا و حين سئل كيف يا رسول الله قال أن يحب أحدكم لأخيه ما يحب لنفسه".
فو الله لو ساد هذا الخلق و تلك الروح بين المسلمين لسادوا الأرض و أصبحوا فى المقدمة.
و يوم العيد يخرج المسلمون فرحين مستبشرين لأداء صلاة العيد و تسمع تكبيرهم و يومئذ يتباهى الله بعباده أمام الملائكة.
بقلم د. أسامة فريد